المكتبة الرقمية التفاعلية

مقالات

بل تواجه وتواجه يا أستاذ العلوم السياسية

لم نعد - نحن السعوديين - نستغرب، ولا عدنا نأبه أو نبالي بتلك الحملات المنظمة التي تؤججها بعض الفضائيات ضد المملكة، و(تستأجر) لها أصواتا انتقائية (مشبوهة)، تزيف الحقائق وتلوي أعناقها خدمة لمنهج تلك الفضائيات (في الإثارة)، ولكل - في نفسه - غرض (دفين) لكن تجمعهم الأمراض النفسية والعصبية التي مثارها الحقد على ما تنعم به المملكة من أمن يرجون زعزعته، ورخاء يتمنون زواله، والحسد على انسجام الروح الوطنية وقوة تماسكها بين المواطنين وولاة الأمر، وثبات منهج المملكة على الشريعة الإسلامية دون سواها. لكن المستغرب على وجه الحقيقة، والمفاجأة المذهلة لأبصارنا وأسماعنا، عبارة وردت على لسان الدكتور خالد الدخيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، في برنامج بثته إحدى هذه الفضائيات قبل أيام يدعي فيها، أن المملكة العربية السعودية لا تواجه، ولا تحب المواجهة وهكذا .. بجرة قلم هدم الأستاذ تاريخ أمة لا أبالغ حين أقول إنها (تفردت بالمواجهة في خضم الزلازل والأعاصير التي تعرضت لها الجزيرة والمنطقة العربية ولا تزال تتعرض.. بل إن المملكة . منذ البداية . قد قامت وتأسست على مواجهة الباطل. هذا ما دعاني - إلى حد الاستثارة والاستنفار - لأن أضع أمام أنظار الدكتور بعض الحقائق التي تؤكد أن الصواب قد جانبه، وأن الحقيقة عكس ما ادعاه: - واجهت الدولة السعودية الأولى ما ابتدعه خلق كثير في البلاد، وما استحدثوه مخالفا لصحيح الشريعة الإسلامية، واستهدفت المواجهة إعادة أهل البلاد إلى دينهم الصحيح، وعلى النهج ذاته سارت الدولة السعودية الثانية. - واجهت البلاد الظلم والقهر والشتات الذي ساد أرجاء الجزيرة، حيث قامت دولة المملكة العربية السعودية في ظروف سياسية دقيقة، وفي محيط قوى محلية ودولية لها مآرب وأطماع في المنطقة، واستطاع الملك الصالح المصلح عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالجهاد والمواجهة أن ينجح في توحيد الأرجاء وسط كل هذه الأشواك، وأصر الملك المؤسس على أن تكون الشريعة الإسلامية دستورا وحيدا للبلاد، في الوقت الذي انبهرت فيه غالبية الدول والشعوب العربية والإسلامية بقيم الغرب وحضارته حتى أصبح النموذج الغربي هو المثل الأعلى لدى هؤلاء وهؤلاء. - واجهت البلاد في مستهل قيام الدولة الموحدة نزاعات وصلت حد الحرب الأهلية بسبب و فئة تدعو إلى الجمود وتنادي بقفل الأبواب والانكفاء على الذات، في وقت أصر فيه الملك عبد العزيز على الدخول بالمملكة إلى عالم اليوم مع الثبات على المبدأ الذي قامت على أساسه الدولة وهو التشريع الإسلامي، وقد نجح الملك المؤسس في تحقيق معادلة التوازن بين ازدواجية الأصالة والمعاصرة، فنهضت الدولة العصرية في السعودية إلى أرقى المصاف في البنية والبنيان دون أن تفقد من عقيدتها وقيمها قيد أنملة، وكان هذا إعجازا حقيقيا في تلك المواجهة . - واجهت السعودية في الخمسينات والستينات من القرن الميلادي الماضي المد الشيوعي والاشتراكي الجارف الذي انجرت إليه دول المنطقة وشعوبها وكثير من الدول الإسلامية، إلا المملكة فقد قاومته بضراوة، وحين أعجزت الجميع الحيل أن يجروا السعودية إلى هذا التيار، وبميزان العصر الذي كان سائدا لم يملكوا إلا أن يتهموها بالرجعية، فرد عليهم الملك فيصل بن عبد العزيز بقولته الشهيرة "إذا كانت الرجعية هي التمسك بأهداب الدين فنحن نفخر بأن نكون رجعيين .. وإذا كانت تهمة فإننا لا نتبرأ منها". - واجهت المملكة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م بقطع العلاقات مع فرنسا وبريطانيا، واستنفرت أبناءها – بما فيهم مولاي خادم الحرمين الشريفين وإخوانه من الأمراء والمواطنين - إلى تدريبات عسكرية للاشتراك في الدفاع عن أرض مصر العربية. - واجهت المملكة العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن عام 1967م، بأكبر دعم عربي مادي و معنوي، ورغم كل الخلافات التي كانت بين السعودية ومصر وبين عبد الناصر وفيصل والتي وصلت ذروتها بالغزو المصري لليمن، ودفاع السعودية عن سيادة جارتها الشقيقة وعن حرية قرارها، فقد نسي الملك فيصل كل المآسي وكان أول الملبيين إلى مؤتمر الخرطوم وأول الداعمين لمصر في مواجهة التحدي الصهيوني، وقد تجلت المواجهة بتبني السعودية - في مؤتمر الخرطوم - ضرورة التزام الدول العربية بتمويل إعادة بناء الجيش المصري، الذي عبر القناة ونسف خط بارليف وحرر الأرض السليبة عام ۱۹۷۳م. - واجهت المملكة انحياز الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل في حرب العاشر من رمضان، الذي وصل حد إقامة جسر جوي، لنقل المعونات العسكرية والمدنية الضخمة إليها في زمن قياسي، فكان أن قطعت المملكة العربية السعودية البترول عن أمريكا ودول أوروبا التي تعاضد إسرائيل، وكانت المرة الأولى والأخيرة التي يستعمل فيها العرب هذا السلاح بتلك الفاعلية مما اضطر الدول المساندة لإسرائيل إلى إعادة حساباتها السياسية والاقتصادية تحت ضغط الشارع الغربي الذي تأثر كثيرا بقطع البترول، وقد نشرت صحيفة الجمهورية القاهرية . في حينه على لسان الرئيس السادات مثمنا دور السعودية في حرب العاشر من رمضان "إن فيصلا هو بطل معركة العبور، وسيحتل الصفحات الأولى من تاریخ جهاد العرب وتحولهم من الجمود إلى الحركة، ومن الانتظار إلى الهجوم، وهو صاحب الفضل الأول في معركة الزيت .. فهو الذي تقدم الصفوف، وأصر على استعمال هذا السلاح الخطير، والعالم (ونحن معه) مندهشون لجسارته". - واجهت المملكة الغزو العراقي للكويت مواجهة صارمة، وسمحت لقوات التحالف الدولي بالمرور عبر أراضيها لتحرير الكويت الشقيق، رغم جبهة الرفض التي ضمت – مع الأسف . جهات عربية وإسلامية إلا ولولا وقفة خادم الحرمين الشريفين الصلبة لنصرة الكويت، وإصراره على عودة حكومتها الشرعية، لما اندحر الغزو وتحررت الكويت. - واجهت المملكة - بصرامة وحزم - محاولات تدخل السفراء الأجانب في شؤونها، حتى أنها طلبت سحب سفير الولايات المتحدة الأمريكية لديها مرتين، الأولى في عهد الملك سعود، والثانية في عهد خادم الحرمين الشريفين. - واجهت المملكة العربية السعودية الإرهاب قبل أحداث 11 سبتمبر عام ۲۰۰۱م وكانت من أولى الدول التي وضعت ووقعت اتفاقية بين وزراء الداخلية العرب لمحاربة الإرهاب، ولا تزال تواجه الإرهاب الآن بلا هوادة. - تواجه المملكة الشعار الإسرائيلي بالوقوف إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين ودعمهم ماديا ومعنويا، وطرح المبادرات لحل مشكلتهم، والتحرك على الجانب الأمريكي - القادر على التأثير على الدولة العبرية - بغرض دفعه إلى التدخل لحل المشكلة. - تواجه المملكة - رغم الحملة العالمية الشرسة على الإسلام والمسلمين – مشكلات دول العالم الإسلامي بالعون الممكن ماديا ومعنويا ، وتتابع ما يجري على الأراضي الإسلامية، - تواجه حاجات ومتطلبات نحو سبعة ملايين زائر مسلم سنويا للحج والعمرة. - وأخيرا .. فإن المملكة تواجه الآن تحالفا (غريبا) بين قيادة تنظيم القاعدة وما يمارسه أذنابها من تخريب في محاولة لزعزعة استقرار المملكة، وبين قيادة التنظيم الصهيوني الذي يواصل محاولاته في الضغط الإعلامي والفكري والاقتصادي على الإدارة الأمريكية لاستعدائها على المملكة ولم ترضخ المملكة لأي من فريقي التحالف، فهي تواجه إرهاب القاعدة بضراوة وإصرار، و( تواجه الصهيونية الغربية بالثبات على المبدأ والإصرار على تطبيق معادلة الملك المؤسس التي توازن بين الأصالة والمعاصرة، وها هي تتقدم واقتصادا على القاعدة الإسلامية التي اختارها الملك المؤسس دستورا ومنهجا للبلاد. وبعد ... هذه النماذج القليلة من المواجهات التي سقتها لمجرد التدليل وضرب المثل، ألا زلت يا دكتور تعتقد أن بلادك لا تواجه؟ لا .. بل تواجه .. وتواجه يا أستاذ العلوم السياسية. ورحم الله من قال : إن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم.

  • شارك المقال على :
صحيفة الوطن فى 2003م