المكتبة الرقمية التفاعلية

مقالات

حضرنا المنتدى ولكن؟

المنتدى العالمي للاقتصاد المعروف «دافوس» يحمل اسم تلك القرية الصغيرة على جبال سويسرا، والذي اصبح يضاهي اسماء اكبر المدن العالمية. والسبب في ذلك ان رجلا يدعى كلاوس شواب يهودي الديانة سويسري الجنسية، تقدم للمسؤولين في هذه القرية بفكرة ضمن لهم من خلالها دخلا كبيرا وصيتا ذائعا، وتتلخص الفكرة في دعوة نخبة من رجال الفكر والسياسة والاقتصاد للاجتماع ـ بصفة دورية ـ في هذه القرية الصغيرة، لطرح الافكار وتداول الآراء واذكاء المناقشات بحرية كاملة، دون اصدار قرارات او توصيات او التزامات او الزامات. وقد بدأ كلاوس بدعوة الشخصيات المشهورة ـ سياسيين واقتصاديين وفنانين ـ ودفع لهم في البداية تكاليف حضورهم واقامتهم.. وكان حضور هؤلاء دافعا قويا لأخرين حرصوا على حضور المنتدى لتقترن اسماؤهم بأسماء المشاهير في العالم، المجتمعين في هذه القرية الصغيرة، ثم تطور الامر حتى وصلت رسوم حضور اللقاء السنوي للمنتدى الان الى 12.500 فرنك سويسري (7330 دولار) لعضو المنتدى. اما لغير الاعضاء فهي 26.000 فرنك سويسري مع العلم ان جميع تكاليف السكن والتنقل والاعاشة على المدعو. ويقال ان دخل المنتدى في العام الماضي ـ بعد كل التكاليف ـ وصل الى عشرة ملايين دولار. واليكم بعض الارقام عن منتدى هذا العام الذي كان في نيويورك: بلغ عدد الضيوف المشاركين 2700 شخص، يمثلون 106 من بلدان العالم، منهم 30 من رؤساء الدول، 300 شخصية عامة، 100 من الوزراء، 740 سفيرا، 29 من رؤساء المؤسسات العالمية و350 مؤسسة اعلامية، 120 مؤسسة غير حكومية، 40 من رؤساء النقابات العالمية، 40 من القيادات الدينية و200 مؤسسة علمية، وكانت هناك 199 جلسة مناقشة. منذ سنوات واصدقائي يحثونني على حضور هذا المنتدى للاطلاع على ما يدور في الساحة الفكرية والسياسية والاقتصادية العالمية.. وفي كل مرة كانت تشغلني عن الحضور امور اخرى تخص اعمالي المباشرة في الامارة وفي مؤسسة الملك فيصل الخيرية.. وفي هذا العام نجحت في تدبير الوقت، وذهبت الى هذا المنتدى لسببين: الاول: التعريف بمؤسسة الفكر العربي وتقديمها للعالم. والثاني: الاطلاع على ادارة وتنظيم هذا المنتدى والاستفادة من خبرات المسؤولين عن تنظيمه، لان المؤسسة قررت تنظيم مؤتمرات سنوية تبدأها هذا العام في اكتوبر القادم في القاهرة ان شاء الله وامل ان تكون بمثابة «دافوس» عربي مصغر. وبقدر ما كنت مترددا في السابق في حضور هذا اللقاء، الا انني حمدت الله ان يسر لي الحضور هذا العام، وذلك لأمور عديدة منها: ان «دافوس» انتقل هذا العام، مثل كل شيء على وجه البسيطة الى نيويورك، فكانت فرصة للاطلاع ـ عن قرب ـ على مدى الغضبة الامريكية على العالم وخصوصا على العرب والمسلمين، وعلى المملكة العربية السعودية بالذات، ومنها كذلك حضور المناقشات التي شارك فيها نخبة من اهل العلم والسياسة والاقتصاد، والتأمل في توجهات الفكر العالمي بعد احداث 11 سبتمبر، كذلك لمتابعة الحضور السعودي والعربي والاسلامي في هذه الساحة الفكرية ومدى الاستفادة من هذا المنتدى الثقافي الاعلامي العالمي. ولقد سمعت ممن حضروا «دافوس» في سويسرا قبل هذا العام انه كان اكثر تنظيما وربما صغر المكان في تلك القرية جعل اللقاءات اكثر حميمية، واسهل واسرع تواصلا بين الاعضاء والحضور، ولا شك ان الجبال المغطاة بالثلج اضفت على اللقاءات عفوية والفة، افتقدها الاعضاء في اجواء نيويورك الصاخبة بالضجيج، وبكثافة الاجراءات الامنية التي أزعجت حتى الامريكيين انفسهم. وكان موقع المنتدى (فندق وولدورف استوريا) مزدحما بألوف الداخلين والخارجين يوميا، مما جعل الوصول الى بعض الجلسات يكاد يكون مستحيلا. ليس هذا ما اردت التحدث عنه في الحقيقة، وانما هو الحضور السعودي والعربي والاسلامي الذي استرعى انتباهي وقاد قلمي الى هذه الاسطر، خصوصا اني وصلت الى نيويورك بعد رحلة طويلة وطأت فيها قدماي اكثر من عاصمة اوروبية وعربية منها: لندن وباريس وبيروت والمغرب والقاهرة، قابلت فيها كثيرا من الشخصيات السياسية والفكرية والاقتصادية، وكان محور المناقشات بالطبع هو هذه الحرب الاعلامية المعلنة على العرب والمسلمين. نعود الان الى المنتدى العالمي للاقتصاد والمنعقد في نيويورك هذا العام واقول انه يبدو للمتأمل ان الذي يحضر هذا المنتدى واحد من ثلاثة: الاول: صاحب فكر يريد ان يشارك في صياغة الفكر العالمي الجديد. الثاني: رجل اعمال يريد ان يستفيد اقتصاديا وثقافيا لتطوير اعماله واتساع مساحة تجارته، والاستفادة من اللقاءات المتاحة مع باقي رجال الاعمال والاقتصاد الحاضرين. الثالث: صاحب وجاهة يريد ان يذكر بانه كان مع النخبة في هذا المنتدى. الاول هو الذي استعد لجميع الجلسات وحضر لكل الموضوعات التي سوف يناقشها، والافكار التي سوف يطرحها، وهو الذي يؤثر ولديه الثقة والقدرة على ان يتأثر بما يفيده ويعزز مواقفه واتجاهاته الفكرية والثقافية، واما الثاني فهو الذي يستفيد من الافكار والتوجهات الاقتصادية والدراسات المقدمة من الحاضرين والمحاضرين، ومن ثم يخرج بعلاقات وربما بصفقات جديدة، ويكون قد عرف بمؤسساته وتعرف على مؤسسات الاخرين من زملاء المهنة، واما الثالث فهو الذي تجده معظم الوقت خارج الجلسات، في الردهات والمطاعم والمقاهي، مهتما بالصور الفوتوغرافية مع هذا وذاك يحضر كل دعوات الاستقبال ولا يحضر الا الجلسات التي يحضرها المشاهير. وتحرص كثير من الدول والمؤسسات العالمية والاقتصادية الكبيرة على انتهاز هذه الفرصة للتعريف بمنجزاتها ومنتجاتها.. وتعقد الجلسات الخاصة للتعريف بها كما حدث من بعض الدول العربية والاسلامية. في هذا العام حضر وفد سعودي كبير. وهذا امر تحمد عليه المملكة. فلقد خسرنا كثيرا بسبب الغياب الدائم عن اللقاءات الماضية.. سواء كانت في «دافوس» او في غيرها من المؤتمرات الثقافية والاقتصادية.. واعطينا بذلك الفرصة لخصومنا ـ بل ولأعدائنا ـ لتشويه صورتنا ثقافيا واعلاميا في كثير من اللقاءات الماضية، الامر الذي اساء لنا كثيرا، وكان السبب الرئيسي هو غيابنا المتكرر عن تلك المحافل. ولكن تغير الحال ـ والحمد لله ـ فلقد كان الحضور هذا العام لافتا للانتباه.. واشاد به الجميع عددا ونوعية، فعدد الوفد السعودي كان حوالي الثمانين بين امراء ووزراء، وعلماء دين، ورؤساء مؤسسات اقتصادية وخيرية، ورجال وسيدات اعمال، ومثقفين ومثقفات، وكان لحضور مجموعة من السيدات ضمن الوفد اثر ايجابي، فقد اعطت السعوديات المشاركات انطباع الاحترام للمرأة السعودية المتحلية بالقيم والاخلاق الاسلامية ـ في لباسهن وتخاطبهن ومشاركتهن في الجلسات ـ مما دحض كل الافتراءات الظالمة لوضع المرأة السعودية، واتهامها بالجهل والتخلف، وكان حضورهن خير اجابة فاجأت الاصدقاء واسكتت الاعداء. وسمعت عن ان مداخلات عديدة لهن كانت موفقة، واشاد كثيرون بإحداهن وبحضورها الثقافي المتميز، وسمعت وحضرت ـ شخصيا ـ مناقشة اخرى كانت المرأة السعودية فيها ترفع الرأس، ولا شك ان وجود سمو الامير نواف بن عبد العزيز على رأس الوفد كان له الاثر الواضح في لفت الانتباه لأهمية هذا الحضور، كما انه لا بد من الاشادة بجهود سمو الامير عبد الله بن فيصل بن تركي الشخصية المثقفة المرحة المتميزة، الذي نجح في التوفيق بين الفكر الثقافي والاقتصادي بين اعضاء الوفد وجعل من المهمة الصعبة «متعة» ثقافية. و مما جعل الحضور السعودي اكثر تميزا في نيويورك، اكتشاف الامير تركي الفيصل كوجه اعلامي متميز. فقد كان للمقابلات التي اجرتها معه بعض محطات التلفزيون الامريكية اكبر واجمل الاثر.. وفيها دافع عن بلاده ودينه ومجتمعه بلغة جميلة وقوية ومتزنة في نفس الوقت.. مما جعل احد الاعلاميين العرب المشهورين يقول لي ضاحكا «تعرف، اخوك امضى سنينه الماضية في المهنة الخطأ». وعندما قابلت الرئيس حسني مبارك في القاهرة بعد المنتدى قال لي: «انا شفت تركي على التلفزيون الأمريكي عجبني جدا، ويجب ان تدفعوا به وبأمثاله للحديث في الإعلام الغربي دائما». وانا لا اكتب هذا عن الأمير تركي لأنه اخي فكل السعوديين اخواني، ولكنها كلمة حق يجب ان تقال، وباستثناء الأمير تركي لم يكن هناك حضور اعلامي جيد.. لا ادري اذا كان القصور من وزارة الاعلام ام من المكتب الاعلامي في السفارة السعودية، ام من المسؤول عن الاعلام في الوفد الذي حضر، ام من الجميع. الحضور العربي والإسلامي في المنتدى ـ في رأيي ـ لم يكن على المستوى المأمول، صحيح ان بعض رؤساء الدول حضروا، مثل جلالة الملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن ومعه زوجته المتألقة دائما الملكة «رانيا» والقى الملك كلمة صفق لها الحضور، وصحيح ان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير قطر حضر والقى كلمة في جلسة ضمت قيادات اسلامية ومسيحية ويهودية وهندوسية. وكان الأمير يمثل رئاسة المؤتمر الإسلامي في تلك الجلسة، وقد حازت كلمته ايضا تصفيق الحاضرين، وصحيح ان رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد حضر والقى كلمة حازت اعجاب اكثر الحاضرين، وصحيح ان سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد البحرين كان له حضور فاعل في عدة جلسات، تجلت فيها قدرته اللغوية والحوارية الراقية، وصحيح ان امين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى حاول تقديم القضية الفلسطينية كأهم موضوع للعرب والمسلمين في هذا المحفل الدولي، بكل حماس ودبلوماسية عرف بها الرجل، وصحيح انه كان هناك وزراء، ورجال اعمال، وبعض علماء المسلمين وبعض المفكرين والإعلاميين. ولكن... كان معظمهم يتحدث على استحياء ويخجل (الا عمرو موسى للأمانة) عندما يطرح الموضوع الاسلامي فكنت اشعر وكأنهم يعتذرون. حتى ان بعضهم حصر مشكلة البلاد العربية في الديمقراطية.. والديمقراطية فقط، لم يذكر فلسطين.. ولا الهجمة التي تواجهها الامة الإسلامية، والذين تحدثوا عن الاسلام كانوا يتمسحون بالديمقراطية لتمرير الفكر والمشروع الاسلامي وكأنهم بذلك يستجدون الشفاعة لموقفهم الاسلامي. في احدى الجلسات وكانت عن الديمقراطية والاسلام، كنت اجلس على طاولة مع مجموعة من العرب والمسلمين وكانت تلك الجلسة تدار بطريقة الطاولات ورؤسائها.. اي ان المحاور يطرح الموضوع في بضع دقائق، ثم يترك كل طاولة (حوالي عشرة مشاركين) يناقشون الموضوع بينهم ثم يقوم رئيس الطاولة ليتحدث عن اراء المشاركين ودار النقاش فطرحت مفهومي الشخصي عن الديمقراطية والاسلام بان الاختلاف الرئيسي بينهما هو المشرع.. فالمشرع في الديمقراطية هو الانسان، في حين ان المشرع في الاسلام هو الله.. الخالق الحاكم.. وما عدا ذلك يمكن النظر فيه، ولقد وافق الجميع على هذا الطرح.. ولكن قبل ان يقوم رئيس الطاولة ـ وهو رئيس كلية اسلامية في امريكا ـ غير رأيه ووقف وقال: ان الاختلاف بين الديمقراطية والاسلام يكمن في ان الأولوية في الديمقراطية للحرية، في حين ان الأولوية في الاسلام للعدالة، وأصابني العجب من هذا الطرح، وزاد من العجب ان في الجلسة نفسها، وعلى طاولات اخرى مجاورة علماء من المسلمين ولم يتحدث منهم احد معقبا على هذا الكلام. ومع انني لست فقيها ولا اكاديميا الا انني شعرت بالأسى لهذا الاستحياء والخوف الذي يتمثل في مواقف علماء المسلمين في هذه الساحات الفكرية العالمية. وحضرت جلسة اخرى عن الديانات تحدثت فيها مجموعة من القيادات الدينية في العالم: الاسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية، وكان واضحا منذ البداية ضعف تأثير العالم المسلم لأنه لا يتحدث الا العربية، فكان يستمع للسؤال مترجما، ثم تنقل اجابته وتعليقه مترجمة ايضا، مما يجعل اجاباته ومداخلاته ضعيفة للغاية، بعكس العالم اليهودي الذي كان يتكلم اللغة الانجليزية بطلاقة، وكانت مداخلاته تتسم بسرعة البديهة، وبشيء من الذكاء والمرح الى حد حاز اعجاب الحاضرين. لا اريد ان أطيل في ذكر الأمثلة... لكنني اريد ان اتوقف عند الأسئلة التالية: 1 ـ من الذي يجب ان يمثل العرب والمسلمين في هذه المحافل؟ 2 ـ ما هو الفكر الذي نود ان نقدمه في مثل هذه المنتديات؟ 3 ـ هل نريد المشاركة ـ فعلا ـ في تشكيل الفكر العالمي الجديد (العولمة)، ام اننا قنعنا بالتبعية فحسب؟ وفي ظني ان الاجابات المطروحة يمكن ان تكون: اولا: يجب ان يكون اختيارنا لمن يمثلنا في هذه المناسبات مقتصرا على من تتوفر فيهم الكفاءة العلمية العالية، والثقافة الواسعة، والاخلاق الكريمة، وان يكون صاحب اختصاص في موضوع المناسبة. ثانيا: لا بد ان تكون لنا رسالة فكرية نقدمها في مثل هذه المحافل، وان نعد لها اعدادا جيدا قبل المناسبة بمدة كافية، وان يصاحبها التنظيم قبل واثناء وبعد الحدث. ثالثا: اذا كنا قانعين بالتبعية فحسب فلا داعي لتحريك ساكن! اما اذا كنا نريد ان نكون مشاركين في تشكيل الفكر العالمي الجديد، وان نكون فاعلين في ادارة شؤون هذا الكون، فلا بد من اخذ كل الامور بجدية، وبعلم وبثبات على المبادئ، مقرونا بمرونة في التعامل مع معطيات العصر، والنظام الاسلامي لا يحتاج الى اعتذار للانتماء اليه.. ومهما اغرونا ببريق النظام الغربي، علينا ان نقول لهم: «لكم دينكم ولي دين» ولدينا في مبادئ النظام الاسلامي من الاسس والقواعد التي لو بنينا عليها وطورناها، لقدمنا للإنسانية وللعالم اجمع نظاما لا يضاهيه ولا يرقى الى مستواه نظام. ويجب كذلك ألا نتوقف عن التطوير والتحسين، وتلمس الافضل، والاخذ بما يناسبنا من الاخرين بما لا يخالف تعاليم ديننا وقيمنا. فهذا هو السبيل الى الرقي والتقدم وهذا هو السبيل الى المنافسة والمشاركة. ولا يجب ان نسلم بمقولة «ليس بالإمكان ابدع مما كان» بل انه بالإمكان جدا، ابدع وافضل واجدى مما كان. كما انه يجب ان نتحلى بالثقة العالية بالنفس، فعندما يقال لنا ـ من قبل صديق او حتى عدو ـ يجب ان تطوروا او تغيروا للأفضل، لا تأخذنا العزة بالإثم فنرفض النصيحة، ونتجاهل النقد، ونكابر. ويجب ان نسأل انفسنا هل ارادتنا هي الافضل؟ هل تعليمنا هو الاحسن؟ هل اقتصادنا هو الاكمل؟ هل صناعتنا هي الارقى؟ اذا كان الجواب بالنفي ـ وهذا هو الواقع ـ فلا بد من ان نعيد النظر في امرنا وحالنا. صحيح ان ما لدينا حسن، لكننا نطمع الى الاحسن، وامة لا تطور نفسها بصفة دورية مستمرة سوف يفوتها الركب مع هذا الايقاع العصري المتسارع. فلنطور مؤسساتنا الادارية، ولنطور مؤسساتنا التعليمية، ولنطور مؤسساتنا الاقتصادية. ولنثبت للعالم اجمع ان الاسلام صالح لكل زمان، وانه دين التطور، ودين الرقي، ودين التحضر، ودين جميع الرسل ودين الله الذي استخلف الانسان على هذه الارض لعبادته جل وعلا، وليعمرها بموجب شرعه الحنيف. وبعد.. فأقول ـ وعلى الله اتكالي ـ انني لا اكتب هذا التقرير لمسؤول. ولا اقول هذا الكلام لأبناء بلدي فقط، وانما لكل عربي ومسلم. فالهجمة الشرسة التي نتعرض لها اليوم موجهة ضد الاسلام والمسلمين، وضد العرب والعروبة. وما التركيز على المملكة العربية السعودية الا لأنها تمثل الرمز الاسلامي الاكبر في العالم، والذي لو اهتز ـ لا سمح الله ـ لاهتز معه الكيان الاسلامي اجمع، ففيها الكعبة المشرفة ـ قبلة المسلمين ـ التي يتوجه اليها المسلمون في بقاع الارض خمس مرات كل يوم، وفيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره، واليها يفد ملايين المسلمين كل عام للحج والعمرة، وهي اول دولة عصرية جعلت القرآن والسنة دستورا ومنهجا وحيدا لها، تخضع جميع انظمتها لتعاليم الاسلام، وما خالفه لا يقر ولا يقبل، فاذا نجحت المملكة في تجربتها وهي حتى الان ناجحة ـ ولله الحمد ـ فان هذا هو التحدي الاكبر للنظام الغربي العلماني ـ اللاديني ـ الذي في ظاهره الحرية ـ بلا شك ـ، ولكن في باطنه الاباحية كذلك، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وغياب النظام الشيوعي عن الساحة لم يعد هناك منافس، قوي وعنيد ـ سوى الاسلام ـ والاسلام عقيدة وفكرا ونظاما هو ما يقف الان حائلا امام السيطرة والهيمنة الغربية الكاملة على الفكر والثقافة العالمية تحت شعار النظام العالمي الجديد «العولمة». هذا هو السبب الرئيسي لهذا الهجوم الظالم على الاسلام ثقافة وفكرا ونظاما، وعلى المملكة العربية السعودية بصفة خاصة، لأنها تمثل القيادة الروحية لهذا الفكر وهذا النظام الاسلامي. لهذا فكلمتي هذه موجهة لكل عربي وكل مسلم غيور على هويته وعقيدته .. الى كل من يهمه شأن هذه الامة ومستقبل اجيالها. اوجه كلمتي: الى الذين يحرّمون كل حلال بحجة التدين. والى الذين يحللون كل حرام بحجة التحضر. الى الذين يرفضون التجديد والتطوير باسم التمسك بالقيم والاخلاق. والى الذين يحاربون القيم والاخلاق بحجة التحديث. الى الذين لا يرون في قيم الاسلام الا التخلف والجمود. والى الذين لا يرون في قيم الغرب الا الانحلال والرذيلة. الى الذين يريدون الغاء العلوم الدينية من مناهجنا. والى الذين يريدون الغاء الدراسات العلمية والتطبيقية من مدارسنا. الى كل من يريد ان نغلق حدودنا وعقولنا دون ما يحدث خارج البلاد. والى كل من يريد ان نغمض اعيننا ونسد اذاننا عن كل ما يحدث داخل البلاد. الى الذين يقدمون صدقاتهم وزكاتهم الى مؤسسات تسيئ للإسلام باسم الاسلام. والى الذين يقدمون تبرعاتهم الى مؤسسات تعليمية اوروبية وامريكية ونحن اليها احوج. الى القادر الذي يستطيع ولا يفعل. والى الفاعل الذي يسيئ ولا يعلم. فلنتق الله في امتنا، ولنتق الله في مستقبل اجيالنا القادمة. نحافظ على الثوابت والقيم ولا نخشى التحديث والمعاصرة. والله من وراء القصد.

  • شارك المقال على :
صحيفتا الوطن والشرق الأوسط فى 2002م