المكتبة الرقمية التفاعلية

مقالات

كن داعيًا للخير

إنه لجهد مشكور أن تحرص وزارة الشؤن الإسلامية على تثقيف الناس بالمفهوم الصحيح للدين ، والابتعاد عن الغلو والتطرف في الدعوة ، والتأكيد على هوية الإسلام كدين محبة وسلام. أثناء الاحتفالية بافتتاح المعرض السادس للدعوة ، تداعى إلى ذهني الكثير من الخواطر والمعاني ، وأنا أراجع سالف الأعوام ، وأنوخ ركابي عند شخصية ذلك البطل التاريخي ، الذي تفرد بإقامة دولة سعودية عربية إسلامية ، في وقت تهافت باقي الزعماء العرب على تقليد النموذج الغربي انبهاراً به وتعظيماً ، وحتى حركات المقاومة العربية التي حاربت وجود المتعر الغربي على أراضيها ، لم تبرأ من عشق ذلك النموذج ، والسعي جاهدة لتطبيق أنظمته واعتناق قميه. في ذلك الوقت .. وفي ظل تل كالظروف ، مضافاً إليها وجد قوتين عالميتين في المنطقة ( بريطانيا والدولة العثمانية )، استطاع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –طيب الله ثراه- أن يسترد ملك آبائه وأجداده مستهلاً بفتح الرياض ( 5 شوال 1319هـ - يناير 1902م )، والكل يعرف أنه لم يكن معه في هذه المهمة سوى ستين رجلاَ – وقيل أربعون- من إخوانه وأبناء عمومته ، وبعض أهل العارض من نجد وأفراد بعض القبائل ، وهنا يجب أن نتذكر أنه لم تكن هناك دول ولا أحزاب ولا تيارات ولا مرجعيات دينية أو اجتماعية أو سياسية تقف وراء هذا الفتح أو تدعمه ، وإنما هي المبادرة الذاتية من الملك المؤسس ، تجلت فيها بطولة القائد الفذ، وشجاعة السرية المرافقة. وما أن استتب الأمر للملك عبدالعزيز في الرياض حتى أعلن أن الشريعة الإسلامية هي الدستور الوحيد لدولته ، وأن شهادة التوحيد هي رايتها ، ولأول مرة في التاريخ ينشئ الملك الصالح إدارة حكومية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، العاملون فيها على ملاك الدولة، كما احتفى بالعلم والعلماء والدعوة والدعاة، فقدمهم في مجالسه حتى على أبنائه الأمراء، وفرض على المجتمع احترامهم، وجعل لهم الحكم الفصل بين الناس على ما شرع الله، وحملهم أمانة إرشادهم إلى صحيح الدين، ولم تقتصر العناية بالعلماء على الداخل فحسب، بل احتضنت المملكة الكثير من علماء المسلمين الذين ضاقت عليهم أوطانهم بالكبت والاضطهادـ فوجدوا في هذا البلد كل العناية والتكريم. ولقد فعل الملك عبدالعزيز كل ما فعل دونما ضغط ولاعون، وإنما هو إيمانه الذي طالما روي عنه في قوله: (إن بيت آل سعود بيت رسالة قبل أن يكون بيت سلطة). والرسالة هيا لدعوة إلى وسطية الإسلام بلا غلو ولا تطرف، وإلى التقدم لا التخلف، وإلى البناء وليس الهدم والدمار. ولم يكن الأمر هيناً فقد خاض الرجل حرباً أهلية مع أولئك الجامدين الذين أساؤوا استغلال التوجه الإسلامي للدولة، لغرض التشدد والغلو والتطرف، إلى درجة الوقوف في وجه كل تقدم بحجة المحافظة على عادات وتقاليد، حولوها إلى معتقدات وقيم، نسبوها –تعسفاً- للإسلام. وانتصر الملك عبدالعزيز، وفكره الراشد، وعلى النهج ذاته انطلق أبناؤه من بعده. ومن ذكريات الماضي عدت إلى الحاضر مستشرفاً المستقبل، فاقترحت على الأخوة أن يعدل عنوان المعرض إلى (كن داعياً ..(للخير))، لتأكيد قصد الوزارة في وجوب قصر الدعوة وحصها على مقاصدها الشرعية لتحقيق خير الإنسان في دنياه وآخرته ذلك أننا نرى الآن في غير مكان على الساحة الإسلامية من يثير عظائم الفتن ويضرم نيران الشر، متلبساً بثوب الدعوةـ مختلساً مقعداً لا يستحقه بين أربابها، وهكذا يدخل خلسة إلى هذه الدائرة- وهي أكثر دوائر التأثير بالرأي- من ليس أهلاً لها، ببواعث تتراوح بين الجهل والعصبية وعدم قبول الرأي الآخر، وبين العمد طمعاً في إرب شتى، وتتحول أفكارهم ودعاواهم وفتاواهم التي روجوها بين الناس- والشباب خاصة- إلى البارود والنار التي نراها تضرم بين الحين والآخر في الأرجاء الإسلامية. ولعلكم تلاحظون معي أن هناك تناقضاً واضحاً في الضوابط المقننة لشغل الوظائف، فالطبيب الذي درس ست سنوات – نظرياً وعملياً- لا نسمح له بممارسة المهنة إلا بعد عام آخر – عام الامتياز- للتدريب العملي المكثف، ثم لا نسمح له بمزاولة الجراحة إلا إذا شب في رأسه الشيب، ذلك الوقت الذي يستطيع أي طالب في تخصصات الشريعة بالجامعة أو حتى في المعهد العلمي أن يمارس –دون حرج- الدعوة والخطابة، بل وأن يصدر الفتوى، ربما يغريه بذلك لقب الشيخ، الذي عادة ما يطلقه العامة عندنا على طالب العلم الشرعي وهذا (الدعيّ) لا يتورع عن فعله رغم قصور علمه، ولا نحن نلتفت إلى الضبط الصارم لمعايير الصلاحية لهذا العمل الخطير في تشكيل العقل والفكر. وإني إذ أكرر الشكر لوزارة الشؤون الإسلامية وعلى رأسها معالي الوزير، أتمنى عليها أن تتبنى تأسيس معاهد للدعاة وخطباء المساجد، بحيث تُجري للمتقدمين اختبارات شاملة لاختيار المؤهلين منهم لهذه الوظيفة، وبحيث تشتمل موا الدراسة على جرعة ثقافية متكاملة تؤهل الداعية للوقوف على أرضية معرفة أساسية، والتعاطي مع البحث العلمي بشكل عام، وتفيده في رؤيته للأمور الشرعية، وإنه لعمل كما تعلمون عظيم الفائدة، سوف يسجله التاريخ لهذه الوزارة بكل التقدير.

  • شارك المقال على :
صحيفة الوطن فى 2005م