من غيّب البسمة؟
لدي إحساس متقد بشرف للإسلام ديناً ، ولهذه البلاد وطناً ، ولمليكي قائداً ، ثم بشرف الخدمة في(عسير) .. هذه المنطقة التي وقعت في أسر هواها منذ النظرة الأولى. وقد يعتقد البعض أن هذا الهوى الرفيع بيني وبين عسير يرجع إلى الطبيعة الخلابة والجو البديع فحسب ، بيد أن المرجعية الأساسية لهذا الحب والإعجاب إلى حد الانبهار –كانت ولاتزال – إلى إنسان عسير: دينه وخلقه وإبداعه ، ثم حبه للحياة .. وممارستها بتلك البهجة العسيرية الجميلة المتميزة.
هذا الإنسان المشهور بالأصالة والشجاعة والكرم ، يتمتع بروح جميلة فريدة في استقباله لك بالتراحيب: (إرحبوا)، (مرحباً ألف)، مفردات عسيرية تنطلق بها الحناجر ، وتخفق لها القلوب وتستبشر الوجوه ، وترتاح النفوس ، إشراقة وبهجة وبسمة عريضة فوق الشفاه .. وأشعار وأهازيج ، والعرضات التي تقام في كل المناسبات للصوت غناء وطرب ، ولقرع الطبول والدفوف إيقاع ورقصة حياة وسعادة.
وحين كنت أقود سيارتي في طرق ترابية في جبال عسير ، كانت تستوقفني مشاهد الجمال في كل ما حولي : الطبيعة .. المناخ .. وفي الإنسان وأنا أرى الأسرة العسيرية: الرجال والمرأة والطفل يعملون في الحقول على قلب واحد وبروح جماعية .. وتقوم العلاقة بين الأسر على الأخوة والأمان والنوة والأخلاق النبيلة ، لباسهم تلك الثياب الزاهية بألوانها الجميلة : الأبيض والأحمر والأخضر ، وذلك المنديل الأصفر و (الطفشة) فوق الرأس للحماية من الشمس.
ومن هناك ، من على حافة بئر في الوادي يتناهي على أسماعك صوت شاب –يحاكي الطبيعة جمالا- يتغنى بأعذب الألحان ، تردد ضداه الجبال ، وتتمايل على أنغامه أغصان العرعر والطلح ، وتتراقص على إيقاعاته لوحات الضباب التي تتماوج على السفوح ترطب بنداها أزهار الشجر ، ثم تتسلل أشعة الشمس من بين السحاب والضباب ، لتنعكس منتشية على سنابل القمح والشعير الذهبية. هذا هو حال إنسان عسير : سعيدا متفائلا حتى عندما أقابله في الإمارة شاكيا أو مطالبا بمشاريع. كان يبدأ الحديث معي دائما بقصص جميلة. حكايات عن الآباء والأجداد الذين ساهموا مع (عبدالعزيز) في إنشاء هذا الكيان وتأسيس هذه الدولة. يفتخر بالماضي ويأمل في المستقبل ، وعندما يطلب مشروعا يطلبه آملا متأكدا من تحقيقه وإنجازه ، وليس عاتبا غاضبا من عدم وجوده ، يشعرك بالشراكة في العمل لبناء المستقبل ، وليس بالملامة والاتهام بالتقصير في الحاضر.
ماذا حدث لهذا الإنسان؟ كيف ذهبت عنه البهجة والفرحة؟ من غيب الابتسامة عن وجهه المشرق؟ من أسدل ستار الكآبة على الوجوه؟ من خوفا لأطفال من اللعب والضحك والمرح؟ من خوف الكبار من الحياة؟ من ألغى السعادة ونشر الأحزان؟ من أقنع الأبناء أن يكفروا آباءهم والبنات أن يكفرن أمهاتهن؟ من علم طفل دار الأيتام أن وطنه الإسلام – وليس السعودية – وأن مهنته المستقبلية هي الجهاد وأن مشاهدة التلفزيون السعودي حرام لأن فيه موسيقى؟ من حول ساحات المدارس والجامعات إلى معسكرات حركية وجهادية؟! من حوّل المخيمات الصيفية إلى معسكرات تدريب على الأسلحة؟ من أقنع الشباب السعودي بأن أقرب طريق للجنة هو الانتحار ، وقتل المواطنين والمقيمين ورجال الأمن وتفجير المجمعات السكنية؟ من فعل بنا هذا؟
أعتقد أن كل من في هذه البلاد يعرف الفاعل المسؤول عن كل هذا ، وماهي إلا عودة للكتب والمطويات والأشرطة ، التي وزعت بمئات الآلاف ، في المدارس والجامعات ، والمساجد والجمعيات الخيرية ، في السنوات العشرين الماضية ، لنجد الأسماء مطبوعة عليها بكل وضوح!! ومواقع الإنترنت تكشف عن البقية. ولكن السؤال المهم الآن هو: من يستطيع أن يغير هذا الواقع الجديد المؤلم؟ ومن يعيد إلينا عقول أبنائنا التي اختطفها الضالون المضللون؟
الجواب هو أن كل المجتمع مسؤول ، من الدولة إلى كبار العلماء ثم كل فرد في هذا المجتمع وأخص ثلاث فئات:
- المعلم والمعلمة في المدارس.
- الأستاذ –من الجنسين- في الجامعات.
- الأئمة والخطباء في المساجد والدعاة.
وإلى هؤلاء جميعاً .. وباسم كل مواطن غيور على دينه ووطنه ..
أرجوكم .. أرجوكم .. أرجوكم .. أعيدوا السمة ، والبهجة ، والحياة لأبنائنا وبناتنا ووطننا، وشكراً.
-
شارك المقال على :
-
-
-
صحيفة الوطن فى 2004م