نقف عند سيرة سموه العملية، فنلحظ سيرته عبر محطات اقترنت فيها السيرة بالمهام والإنجازات، فنقف على محطات تمثلت من خلالها حياة سموه العملية، تركت كل مرحلة منها أثرا وبصمة، تشير إليه وتشهد له، وتحكي عنه.
عين سموه مديرًا لرعاية الشباب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية لمدة أربع سنوات، وهي الفترة من (1387هـ-1391هـ) وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية إلا أنه قد ترك بصمات حية تشهد على إنجازاته، فقد أسس - في هذه المدة الوجيزة- أول ملعبين رياضيين لكرة القدم في المملكة العربية السعودية في كل من جدة والرياض. وقدم خلال إدارته لرعاية الشباب فكرة دورة الخليج التي كانت بدايتها في عام 1390هـ، ونال وسام الريادة ليوم الشباب من المؤتمر الخليجي الرابع لإدارة الموارد البشرية يقول سموه:
‟فترة عملي في رعاية لم تدم إلا أربع سنوات وبضعة شهور إلا أنها كانت مليئة بالعمل والإنجاز وأشهد أن عمل تلك المجموعة الصغيرة التي رافقتني كان من قبيل الإعجاز ... فقد استطاعوا أن يجعلوا من أندية كرة القدم أندية اجتماعية ثقافية رياضية أثرت كثيرًا في مجتمع الشباب الرياضي: ثقافيًا واجتماعيًا‟
إ(ن لم. . فمن...!!؟ ص 53)
وعلى الرغم من قصر مدة إدارته لرعاية الشباب إلا أنه ترك إنجازات تشهد له فقد تم في هذه الفترة:
-
وضع نظام جديد للأندية الرياضية
-
إنشاء برنامج للحكام والمدربين
-
وضع برنامج لتعارف الشباب أطلق عليه أسبوع الإخاء
-
تشكيل منتخبات المناطق
-
تشكيل منتخب المملكة
-
إقامة مسابقة خليجية عربية على كأس الخليج لكرة القدم
هذا قيض من فيض من إنجازات سموه في رعاية الشباب ساعدت هذه الإنجازات على تكوين الأندية الرياضية، والإسهام في وضع الأسس لها
تولى سموه إمارة منطقة عسير عام 1971م وبقي فيها سبعة وثلاثين عاما، اتاحت له هذه الفترة فرصة معرفة المكان ومميزته، وساعدته على النهوض بالمنطقة التي حظيت بقفزات تنموية شملت كافة وجوه الحياة حتى أصبحت منطقة عسير من أهم المناطق السياحية في الخليج. فقد أدرك بثاقب بصره وبصيرته مقومات المنطقة المكانية يقول سموه:
‟ أمضيت بضعة أشهر في جولة تفقدية شاملة وقفت فيها على طبيعة المكان وحاورت الإنسان وخلصت إلى أن المقومات المتاحة (في المكان) تشكل منظومة جامعة لكل التضاريس والمناخات قلما تجتمع في مكان واحد: السهل والوادي والجبل والصحراء والبحر و(في الإنسان) صدق عزيمة لفعل ما يقتنع به‟
(بناء الإنسان وتنمية المكان ص 54)
أدرك سموه طبيعة منطقة عسير واختلاف تضاريسها وجمال طبيعتها ومناخها فقرر تفعيل إمكانيات المكان وقدرات الإنسان لتطوير المنطقة، فطرح فكرة السياحة في المملكة مدركًا أن مفتاح التنمية في عسير يكمن في مجال السياحة، كما نفذ سموه مجموعة من المشاريع التنموية وقد تميزت بكونها تنفذ لأول مرة في المملكة فكان منها:
-
أول مقر نادي أدبي في المملكة
-
أول طريق دائري حول مدينة في المملكة
-
أول شركة مساهمة أهلية للسياحة في المملكة
-
أول منتزه وطني في المملكة ...منتزه عسير
-
أول تلفريك في المملكة
-
أول محطة تلفزيون ملون في المملكة
-
أول مشروع تحلية مياه في العالم تُضخ مياهه إلى هذا الارتفاع
-
أول طريق بين مدينتين يضاء بالكامل
-
أول جامعة في الجنوب جامعة الملك خالد
-
أول صحيفة في المنطقة الجنوبية
شكلت هذه المشاريع التنموية شواهد مرحلة حياتية إدارية يقول عنها سموه:
‟وإنها لشواهد مرحلة حياتية إدارية تنموية لا يبصرها على نحو الحقيقة ولا يدرك أهميتها في تاريخ إدارة التنمية في المملكة العربية السعودية إلا من عايشها واكتوى بنار صعوباتها وتحدياتها، وانتشى بلحظات نجاحها وإنجازاتها ولعل أحد أبناء عسير الذين ساهموا في تحقيقها وعرفوا أسرارها يكتب يوما قصتها كاملة‟
(بناء الإنسان وتنمية المكان ص 14)
بعد رحلة سموه في منطقة عسير والتي امتدت سبعة وثلاثين عاما قضاها لتطوير وتنمية هذه المنطقة، وإنجاز ما كلف به من أمانة الإمارة عليها، ودعها سموه وفي ذلك يقول:
‟ في مساءٍ أبهاوي ندي جميل، أقلتني سيارة إمارة منطقة عسير، من سكن أمير المنطقة إلى مطار أبها، وما أن خرجت من البوابة حتى تمثلت أمام عيني بعض شواهد مرحلة هامة ومميزة في حياتي، ففوق هذه الجبال الشامخة، وبين وديانها الوارفة، وتحت سمائها الماطرة، أعطيت عسير زهرة شبابي، فأعطتني أجمل أيام عمري، ولكني أشعر الآن وكأني أراها للمرة الأولى، أو ربما للمرة الأخيرة ‟
(بناء الإنسان وتنمية المكان ص 13)
تجاوب طريق المطار مع مشاعر سموه المحبة للمكان وأهله، فعرج به على بعضها وقد أصبحت شواهد مرحلة حياتية إدارية تنموية فقد ولدت على يديه ونمت برعايته، عاش صعوباتها وتحدياتها حتى أصبحت قبلة السياحة في الخليج العربي. خرج سموه من أبها تاركا بها إنجازاته التي تشهد له وحمل منها حب أهلها، تحدث بلغة الشاعر وأنسن المكان في حديثه فقال:
‟‟هذا هو سكن نائب الأمير، يقابله على الجهة اليسرى الصالة الرئيسية للاحتفالات بمسرحها المكشوف، وقد شكلت خلفيته مدينة أبها بكاملها في‟‟ بانوراما‟‟ طبيعية رائعة. وها هو مسجد الملك فيصل الذي أصلي فيه كل جمعة، يقابله من الناحية مقر النادي الأدبي بأبها يقابل مسجد الملك فيصل من الناحية الشرقية قال سموه (وكنت قد شيدت هذا المقر في بداية عهدي بعسير- لنادي أبها الرياضي الوديعة أنذاك) وتنعطف السيارة يمينًا لتسلك طريق الملك عبد العزيز (أول طريق دائري حول مدينة في المملكة) وعلى هذا الطريق لمحت ‟‟ مجلس السد‟‟ الذي استقبل فيه أهل عسير كل ليلة، ويشرف على بحيرة سد أبها الذي افتتحه الملك فهد بن عبد العزيز عام 1394هـ في عهد الملك فيصل يرحمهما الله. وفي مواجهته على البحيرة يطالعني مشروع أبها الجديدة، وهو من أكبر المشاريع السياحية نفذته الشركة الوطنية للسياحة في أبها (أول شركة مساهمة أهلية للسياحة في المملكة) ومن ساحة فندق قصر أبها في المشروع يطير معلقا أحد خطوط ( أول تلفريك في المملكة) إلى جبل ‟‟أبو خيال‟‟ ( واحد من قطاعات) ومن أعلى حديقته الطبيعية الجميلة تقطع عربات ‟‟ التلفريك سماء الطريق الدائري متجهة إلى ‟‟جبل ذرة‟‟ أو ‟‟الجبل الأخضر‟‟ كما يحلو لأهلي المنطقة تسميته لأنه مُضاء من جميع جوانبه باللون الأخضر الجميل، وتتماوج أنواره على تشكيلات الضباب المتهادية فوق هذه المدينة الجميلة القائمة على حسن الطبيعة ‟‟أبها‟‟ وما أن تحولتُ بنظري حتى ظهر لي أنوار محطة تلفزيون أبها (أول محطة تلفزيون ملون في المملكة) وكان وجودها -في ذلك الوقت – الخبر الرئيسي وبعد التلفزيون من الجهة الشرقية يبدو أمامي خزان مياه التحلية الضخم الرابض فوق هضبة تعلو المدينة يستقبل المياه المحلاة من البحر الأحمر تضخ إليه بارتفاع (2300) م (11) ألف قدم عن سطح البحر( أول مشروع تحلية مياه في العالم تُضخ مياهه إلى هذا الارتفاع). ومع الدائري درنا حتى الجسر الذي نقلنا إلى طريق أبها – الخميس (أول طريق بين مدينتين يضاء بالكامل) وعلى يساري بدت شواهد مبنى ( أول جامعة في الجنوب) كان من المقرر أن تحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلا أنه – رحمه الله- أصر على تسميتها ‟‟ جامعة الملك خالد وعلى هذا الطريق أشاهد أحياء جديدة عديدة حتى وصل الركب إلى تقاطع طريق المحالة حيث مدينة الأمير سلطان الرياضية وبعه إلى تقاطع طريق المطار حيث أخذنا جسرا آخر ليمر بنا أمام مبنى صحيفة الوطن بقصتها الطويلة فقد استغرق الترخيص بها نحو عشرين عاما حتى حسمه أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 1418هـ عندما كان وليا للعهد فصدرت بذلك (أول صحيفة في المنطقة الجنوبية ) قبل الوصول إلى المطار أشاهد عن يميني ‟‟مركز المعارض‟‟ حتى إذا دلفنا من بوابة المطار بدأ أمامي مبناه الذي لم يكن لولا توفيق الله- جل وعلى- ثم أمر صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز- يرحمه الله-‟‟
(بناء الإنسان وتنمية المكان ص 14)
لم يتح لسموه الوقوف على جميع الشواهد ولعل كثرتها وضيق الوقت كان وراء ذلك قال سموه:
‟هذا ما أتاحه لي طريقي إلى المطار من الشواهد الكثر حصادا لملحمة التنمية التي شهدتها كل أرجاء عسير وكان وراء هذا الإنجاز -بعد الله- الدعم السخي من القيادة والجهد الصادق لفريق عمل ضخم من المسؤولين والمواطنين‟
(بناء الإنسان وتنمية المكان ص 14)
إلى جانب عمل سموه في عسير فقد تقلد عدة مسؤوليات فهو كما يقول
‟عين أميراً لمنطقة عسير، كما اختير إلى جانب عمله مديرا عاما لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، ورئيسا لهيئة جائزة الملك فيصل العالمية، وعضوا في الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، ورئيسا لجمعية البر بالجنوب، وملتقى أبها الثقافي‟
(فارس الإبداع والشعر ص 17)
عين سموه أميرًا لمنطقة مكة المكرمة بمرتبة وزير وذلك في 4/29/ 1428هـ. لهذا رحل من منطقة عسير إلى منطقة مكة المكرمة استجابة لخدمة الوطن. وقد كانت مكة المكرمة هي المدينة الأقرب إلى نفس سموه فهي المدينة المقدسة وأطهر بقاع الأرض، ففيها ولد وفي مصيفها الطائف درس، وعلى شواطئ مينائها جدة درج، ولعب، عاش فيها تجربة المواطن والزائر وتجربة المسؤول، تركت كل تجربة منها أثًرا واضحا في نفسه يقول سموه:
‟مكة مسقط رأسي نشأت في واديها ودرست في مصيفها الطائف، وسبحت فوق أمواج بحر مينائها جدة لست غريبا عليها طفلا وشابا وشيخا كنت فيها مواطن من سكانها، ثم زائرا وحاجا ومعتمرا واليوم أعود إليها مسؤولاً‟
(بناء الإنسان وتنمية المكان ص 215)
واجه سموه في إمارة منطقة مكة تحديات وصعوبات عديدة، فكان لهذه التحديات أهلا ولصعوباتها مذللا، بدأ بجولة على المناطق الثلاث جدة ومكة والطائف؛ ليقف على المكان واحتياجاته وطبيعته، ثم أعقبتها جولة أخرى على بقية المحافظات، وبعدها بدا في وضع خطط متوازنة متوازية، فقد رأى سموه بثاقب بصره ضرورة وضع خطط تنموية شمولية تحتوي على جميع الجوانب الثقافية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، عندها يكون الانطلاق نحو التنمية يسيراً يقول سموه:
‟الخطة ليست مباني وشوارع وميادين وجسورًا فقط إنها خطة متوازنة متوازية أي إنها تغطي النمو والتنمية الثقافية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية في المدن والمحافظات والقرى وبدون هذه العناصر فلا فائدة من المباني ولا الميادين والشوارع‟
(إن لم. . فمن...!!؟ ص 102)
كان سموه مؤمنًا أن التنمية والتطوير لابد وأن تكون نابعة من أبناء المكان وأهله، فبادر إلى دعوة أكثر من 120 شخصية من أبناء المنطقة وبناتها، وقد مثلت هذه المجموعة كافة الأطياف لوضع تصور لاستراتيجية شاملة لمشروع بناء الإنسان وتنمية المكان مع الموازنة بين الأصالة والمعاصرة، وبعد عدة ورش واجتماعات تم وضع رؤية تنموية تحت شعار (نحو العالم الأول) للوصول بمنطقة مكة المكرمة للمعايير العالمية.
بهذه الرؤية انطلقت الإمارة في طرح مشروع ثقافي فكري تتبناه وتطرحه كل الأجهزة الحكومية والأهلية بشعارات وطنية كل عام فكان منها:
-
احترام النظام
-
منهج الاعتدال
-
نحو العالم الأول
-
كيف نكون قدوة؟
وضع سموه لهذه المنطقة المباركة أولويات ومبادرات تحمل وعياً ودراية بالمكان والإنسان فكان منها:
-
وضع خطة تنموية للمنطقة تشمل الإنسان والمكان
-
هيكله جديدة لجهاز الإمارة
-
جائزة مكة للتميز
-
إنشاء مركز التكامل التنموي
-
أسبوع مكة الثقافي
-
حملة: ‟الحج عبادة وسلوك حضاري‟
-
تطوير الأحياء العشوائية
-
معالجة أوضاع البرماويون
-
المخطط الشامل لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة
-
مشروع مركز الخدمات في الشميسي
هذه المشاريع التنموية غيض من فيض، ولن نذهب فيها مذهب التقصي وإنما نريد الوقوف على فكر سموه الإداري وقدرته على التطوير والتنمية وتوظيف كافة الإمكانيات البشرية والمكانية لبناء الإنسان والمكان وتحويلهما لطاقة بناءة عاملة.
نتيجة لما حققه سموه من نجاحات فيما تقلده من مناصب وما كلف به من مسؤوليات، فقد عين سموه وزيرًا للتربية والتعليم وذلك في 19/ 2/ 1435هـ، وقد كانت له في هذه الوزارة أهداف يسعى بها للتطوير، تتمثل هذه الأهداف في الرغبة في تغيير شامل لمفهوم الوزارة من التعليم للتعلم يقول سموه:
‟كان أهم أهدافي هو تغيير مفهوم الوزارة -إداريين ومعلمين- من التعليم إلى التعلم وإلى مساعدة الطالب والطالبة على اكتشاف الموهبة لديهم وصقلها‟
(إن لم. . فمن...!!؟ ص 114)
آمن سموه بدور التعليم في دفع عجلة التقدم؛ لذا سعى جهده لوضع خطة متكاملة لتطوير الوزارة وتحويلها من التعليم للتعلم، ساعد سموه فريق من الوزارة وبعض المختصين في شركة التطوير وخرج الفريق بمشروع يتميز برؤية شمولية واضحة تتمثل في:
-
اعتبار التعليم العام ثروة وطنية
-
التأكيد على جودة التعليم
-
تبني استراتيجية وطنية لتطويره
عمل سموه على تكريس خدمة الدين والولاء للمليك والوطن في ذهن الطلاب؛ لذا وظف كل نشاطات الوزارة لتحقيق هذه الأهداف يقول سموه:
جعلت كل نشاطات الوزارة تحت شعار:
-
الاعتزاز بالدين
-
الولاء للملك
-
الانتماء للوطن
واحسبه لايزال حتى اليوم‟
(إن لم. فمن...!!؟ ص 116)
ومن واقع اهتمام سموه الكريم بالثقافة، وإيمانه بقدرات الشباب وامكانياتهم قدم سموه مشروع (ثقافة الجيل)، يهدف المشروع إلى تحقيق ثلاث غايات تكفل للمواطن الحياة الأمنة الكريمة تحت راية التوحيد وفي ظل الولاء للمليك والوطن. (إن لم. فمن...!!؟ ص 117)
وقد كانت التنمية هي البصمة التي تركها سموه في كل عمل تقلده فنلاحظها سمة واضحة في رعاية الشباب وفي إمارة عسير ثم امارة منطقة مكة المكرمة وأيضا في وزارته للتربية والتعليم. تَبَنى فيها سموه فلسفة تنموية تمزج بين التنمية المادية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، تمزج بين بناء الإنسان وتنمية المكان.